Wednesday, June 9, 2010

طريقة مختلفة للتفكير في حل الدولتين


طريقة مختلفة للتفكير في حل الدولتين
السبت فبراير 13 2010 - جيروم سيغال


اليوم، وعلى الأقل من الناحية اللفظية فإن منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل متفقتان على أن النتجة المركزية لمحادثات الوضع الدائم يجب أن تكون دولة فلسطينية ستتواجد بجوار دولة اسرائيل. وبشكل عام، ولكن بصورة خاصة للاسرائيليين، فان فهم كيفية تفاعل هاتين الدولتين هو واحد من الأمور المتعلقة بالفصل الكامل، "نحن هنا وهم هناك".

بالنسبة للاسرائيليين فالفصل المطلق يتمثل في الجدار أو "سياج الفصل" حتى وإن كان المكان الدقيق للحدود الدائمة بين الدولتين لم يتحدد بعد. وينعكس ذلك أكثر في تصميم اسرائيل على أن أيا من اللاجئين لن يعود، وبالتأكيد ليس من خلال "حق العودة". ومن الجانب الفلسطيني فرؤية الفصل الكامل منتشرة على نطاق واسع. ويتم التعبير عنها من خلال التصميم الفلسطيني على انه عدا عن تبادل أراض هامشي، يجب إخلاء كل المستوطنات الاسرائيلية من كل الأراضي التي ستصبح دولة فلسطينية ، والرغبة في حدود واضحة ومستقيمة.

والملحقات مع مع مفهوم الفصل المطلق في حل الدولتين قوية الى الحد الذي تؤدي فيه احيانا الى الخلط بين فكرة حل الدولتين وفكرة حل الوطنين. وعلى سبيل المثال ففي مشروع كلينتون وجدنا الجملة "دولة جديدة لفلسطين على وشك آن تقام كوطن للشعب الفلسطيني، كما أن اسرائيل أقيمت كوطن للشعب اليهودي". وبالمثل ففي مبادرة جنيف نجد حل الدولتين متداخلا مع فكرة حل الوطنين:"يعترف الطرفان بفلسطين واسرائيل كوطنين للشعبين علىالتوالي".

وهذا نوع من الخلط. فمفهوم "الوطن" يختلف تماما عن مفهوم "الدولة". الدول بنى سياسية، وتتم اقامتها في لحظات من الزمن نتيجة لأفعال إرادية ناجمة عن عملية بشرية لصنع القرار. لكن الوطن شيء مختلف. فمنطقة جغرافية ما هي وطن لشعب، ليس بسبب قرار سياسي، ولكن بفعل تاريخ ذلك الشعب وهويته. وهي منطقة هاجر اليها الشعب او ازدهر وتلعب دورا مركزيا في فهمهم الخاص لأنفسهم. وحتى نطلق على شيء ما صفة الوطن يعني بأن هذا الشيء مهم للذات الجماعية ولكيفية فهم الانسان لنفسه من خلال علاقته بتاريخ الشعب الذي ينتمي اليه. وهكذا بالنسبة للفلسطينيين بينما قد تكرس اتفاقية سلام الضفة الغربية وقطاع غزة كأرض للدولة الفلسطينية، فان هذه الاتفاقية لا يمكن ان تلغي حقيقة ان كل فلسطين التاريخية هي وطن للشعب الفلسطيني. وبالمثل، فليس هناك قرار سياسي او وثيقة يمكنها تغيير حقيقة ان الوطن التاريخي لليهود لا يتطابق بالكامل مع حدود اسرائيل . وليس الانسان مضطرا لقبول مرجعية التوراة اليهودية ليدرك اهمية حقيقة انه في هذا النص القديم الذي يعود الى ما قبل ٢،٥٠٠ سنة، يُقال لليهود كيف أن ابراهيم واسحق ويعقوب عاشوا في المنطقةالتي تعرف الآن بنابلس وكيف دفنوا في الخليل. وبالفعل فهذا القصة اليهودية القديمة،التي شكلت الفهم الذاتي لليهود خلال آلاف السنين لا تعطي كبير أهمية للسهل الساحلي الذي يعيش فيه معظم الاسرائيليين حاليا.

وحقيقة ان اليهود والفلسطينيين سواء من حيث التاريخ أو الانتماء يعتبرون نفس المنطقة وطنا لهم، لا تقدم جوابا حول علاقة كل من الدولتين بالأخرى. ومن الممكن تماما القول بأن في داخل الوطن المشترك ستقام دولتان ، منفصلتان تماما. والمشكلة في ذلك هي انذلك يتناقض مع حقيقة أنه بالنسبة للشعبين فالوطن هو اكبر اتساعا من الحدود المقترحة لكل دولة، وقد اثبت الانفصال الكامل بصورة خاصة أن من الصعب التفاوض بشأنه. واذا تم التفاوض حوله فليس فيه استقرار. وعلى سبيل المثال:

* التنفيذ: في حين أن المفاوضين الاسرائيليين كانوا راغبين في الموافقة على اخلاء معظم المستوطنات في الضفة الغربية وبإمكان المرء أن يتفاءل بأن الاتفاق على حدود دولة فلسطينية يمكن التوصل اليه، فهناك شكوك قوية بشأن تنفيذ اتفاق كهذا. فهل ستكون لدى أي حكومة اسرائيلية القدرة على تنفيذ إخلاء ٧٥،٠٠٠ مستوطن من المناطق الوسطى في الضفة الغربية؟ وماذا لو أن نسبة مئوية عالية من المستوطنين كانوا مستعدين لمقاومة الإخلاء؟ هل ستقاتل اسرائيل حقا افرادا من شعبها من أجل الوفاء بالتزاماتها بموجب الاتفاق؟

* الديمومة: اذا قبل المفاوضون الفلسطينيون (منظمة التحرير الفلسطينية) اتفاقا لا ينص على حق العودة للاجئين، فسيتعرضون لفقدان الشرعية. واذا ظهرت دولة فلسطينية الى حيز الوجود على هذا الأساس، فهناك احتمال كبير بأن حماس أو منظمة تالية ستصل للسلطة بفوزها في الانتخابات الأولى أو الثانية في تلك الدولة. واذا حدث ذلك فهل يمكن لاتفاق سلام أن يستمر؟

* القابلية للتفاوض: المضاعفات السياسية للتخلي عن حقوق اللاجئين مفهومة بالنسبة لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية. ونتيجة لذلك فقد سعوا في المفاوضات السابقة للحصول من الاسرائيليين على بعض الاستعداد للسماح بعودة عدد معقول من اللاجئين وعلى قبول من حيث المبدأ للحق العام في العودة. ومن جهة أخرى فالموقف الاسرائيلي حول الحدود اصبح واعدا اكثر بينما بات التشدد في قضية اللاجئين أكبر. واليوم لا يوجد اي استعداد للسماح بعودة اي من اللاجئين. وهكذا فان مفهوم الفصل المطلق في اطار حل الدولتين يواجه مشكلات كبيرة فيما يتعلق بامكانية التفاوض.

ومع الأخذ في الاعتبار أن حل الدولتين في اطار نموذج الفصل المطلق لا توجد احتمالات كبيرة للتفاوض بشأنه أو تطبيقه أو استمراريته، فمن الجدير بنا تفحص ما اذا كان هناك حل بديل قابل للتطبيق لنموذج حل الدولتين. ما الذي سيبدو عليه حل الدولتين اذا تبنينا بدلا من الدخول في تعقيدات مفهوم الوطن المشترك أن نتعامل مع الواقع؟ هنا سنناقش كيف سيعمل نموذج "وطن مشترك" لحل الدولتين:

١- أولا وقبل كل شيء، اتفاقية سلام بدلا من التركيز على تطبيق حل الدولتين، سيتمحور حول الاعتراف المتبادل بأن كل الأراضي الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط هي وطن مشترك للشعبين. والطرفان المفاوضان (منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة اسرائيل) سيتعهدان ببذل قصارى جهودهما من أجل احترام حقيقة هذا الوطن المشترك. وبينما سيسلمان بأن الطبيعة الراهنة للعلاقات بين الشعبين ربما لا تسمح بالتنفيذ الكامل، فسيؤكدان على انه، من حيث المبدأ، فإن مواطني الشعبين، لهم الحق في العيش حيثما أرادوا داخل الوطن المشترك.

٢- ثم وبعد قبول أن هناك وطنا واحدا وانه يجب التشارك فيه، سيوافقان انه في الوقت الحاضر وربما حتى اشعار آخر في المستقبل، فالحل العملي هو تقسيم الوطن الى دولتين سياديتين هما بتعبير قرار التقسيم رقم ١٨١ الصادر عن الأمم المتحدة "واحدة عربية والثانية يهودية". وربما تنص المعاهدة على ان من الممكن مع مرور الزمن ان يتطور حل الدولتين الى احتمالات مختلفة بينها كونفيدرالية بين الدولتين او دولة فيدرالية واحدة لهل اقليمان او حتى دولة موحدة يتساوى جميع مواطنيها في الحقوق. وقد يتفق الطرفان على انهما سيجتمعان بشكل دوري مرة كل ١٠ أو ١٥ سنة لبحث احتمالات كهذه.، لكن مثل هذه التغييرات تتطلب موافقة الدولتين معا.

٣- وكرمز على وحدانية الوطن فان البلدة القديمة من القدس ستكون خارج السيادة السياسية. وربما تكون ملكا للشعبين، مع وضع الحرم القدسي تحت اشراف فلسطيني وحائط المبكى تحت ادارة اسرائيلية. ومن الممكن بهدف تأكيد وحدة الجذور للديانات الاسلامية واليهودية والمسيحية انه بالنسبة للبلدة القديمة فالسيادة عليها لله وحده.

٤- فيما يتعلق باليهود الراغبين في العيش في الضفة الغربية والفلسطينيين (سواء اللاجئين أو غيرهم) الذين يريدون الحياة في اسرائيل يجب التأكيد على انه من خلال نموذج حل الدولتين فلكل دولة صلاحيتها المطلقة بشأن إدخال غير المواطنين إلى أراضيها السيادية. وعلى هذاالأساس فان حل الدولتين يمكن ان يتضمن عددا من البرامج التجريبية خلال فترة تنفيذ مطولة. وهكذا، وعلى سبيل المثال، ربما يكون ممكنا قبول مستوطنة مثل ارييل مع الموافقة على أن الأرض المقامة عليها تقع ضمن السيادة الفلسطينية ويجب ان يكون لدى الجانبين برنامج تجريبي تتطابق فيه ارييل مع منطقة داخل اسرائيل تكون موطنا تقليديا للاجئين الفلسطينيين، وكما ان مواطنين اسرائيليين سيسمح لهم بمواصلة البقاء في ارييل فسيسمح بالمثل للاجئين بالعودة للعيش في بلدة جديدة داخل اسرائيل على ان ترتبط مع الدولة الفلسطينية بطرق خاصة محددة. ويمكن ان يطبق هذا الترتيب على اساس تجريبي، وسيمثل الأمل بإيجاد وسائل لتطبيق أوسع نطاقا للحق في الحياة في اي مكان داخل الوطن المشترك. واذا ثبت بعد عدة سنوات ان هذه افكرة صعبة التنفيذ فسيتم اخلاء ارييل والمنطقة المطابقة لها داخل اسرائيل. ومع ذلك فحتى هذا الترتيب لن يكون دائما. فبعد عقد من السلام والتهدئة يظهر خلاله جيل جديد يمكن مجددا بحث امكانية هذه الفكرة او غيرها لاعطاء تعبير ذي معنى لوحدانية الوطن.

٥- بخصوص عدد من اكثر المشكلات الأمنية ازعاجا والتي تقلق الاسرائيليين (مثلا كيف يمكنهم التأكد من أإن انهاء الاحتلال لن يعني سقوط صواريخ من الضفة الغربية على مطار اللد) يجب ايجاد حلول تحترم السيادة الفلسطينية والكرامة المتساوية للدولتين. احد الاحتمالات في اطار نموذج الوطن المشترك قد يتمثل في قوة أمنية مشتركة لها وجود على طول الخطوط الخارجية للوطن الواحد. وهكذا فبدلا من وجود قوات اسرائيلية على الحدود مع الاردن كما تطلب اسرائيل يمكن ان تتواجد قوة مشتركة على حدود لبنان ايضا وحدود سوريا ومصر. ومن جديد يمكن ان تعتبر هذه القوة تجريبية واذا فشلت فان ذلك سيؤدي الى ترسخ الفصل الشامل بين الدولتين مع بقاء الردع كعامل رئيس بعد اهتزاز الاستقرار ، الا آن التطلع سيظل نحو التعاون.

٦- من الناحية الاقتصادية فتوجه الوطن المشترك قد يتابع آهداف قرار التقسيم للعام ١٩٤٧ رقم ١٨١ المنصوص عليها في بند "الوحدة الاقتصادية والنقل البري " بما في ذلك الوحدة الجمركية، والعملة الموحدة التي ستحل محل الشيكل الاسرائيلي، والقطارات المشتركة ، والموانىء الموحدة والمطارات، بالاضافة الى "حرية الترانزيت والزيارات لمواطني الدولتين". وكا ورد في القرار ١٨١، فهذه الحريات ستخضع للاعتبارات الأمنية، ولكن في ظل السلام الحقيقي، ستكون الدولتان مفتوحتين للشعبين.

٧- وأخيرا وهنا أمر في غاية الأهمية، فان فكرة الوطن المشترك ستؤكد على التعليم الذي سيعزز القدرة المستقبلية للشعبين للتشارك الفعال في نفس الأرض. وسيطلب ذلك رغبة من المجتمعين في الانفتاح على معرفة كيف يفهم الطرف الآخر نفسه وتاريخ الصراع. ولن يحاول اي طرف السيطرة على مناهج الطرف الآخر الدراسية، لكن الجانبين سيوافقان على السماح لشبابهما بالتعلم مباشرة عن الآخر ما يتعلق بالروايتين المختلفتين للطرفين.

وفي الوقت الحاضر، فان العلاقات بين الشعبين بعيدة للغاية عما هو مطلوب لتحقيق ما وصفته. ولكن قد يكون من الخطأ استبعاد هذا الطرح على ان ساذج. ما قدمته هنا هو تطلع مثالي يمكن للطرفين التعهد بتبنيه. واذا اعتقدنا ان مفاوضات السلام تاريخية، فعلينا الاعتراف بأن العلاقات بين الدلتين ستشهد صعودا وهبوطا. وحتى لو تقرر في البداية العمل في اطار خطوط الفصل المطلق، فان توجهات الوطن المشترك تعبر عن نوايا لتحقيق مستقبل يمكن للجانبين آن يتشاركا بصدق في وطنهما المشترك.

---------------------------------

* جيروم سيغال هو باحث في معهد جامعة ميريلاند للفلسفة والسياسة العامة ومؤلف كتاب " إقامة الدولة الفلسطينية: استراتيجية للسلام" الذي صدر عام ١٩٨٨.

No comments:

Post a Comment